الأوبئة السابقة في العصر الحديث | الجزء الثاني

رحلة تاريخية جديدة، نتعرف فيها على الأوبئة السابقة في العصر الحديث مثل الجدري والكوليرا والانفلونزا الاسبانية التي حصدت ملايين الأرواح؛ كيف بدأت وكيف كانت نهايتها؟ ومن الشعوب التي تأثرت بها؟

نستحضر مجدداً الحديث عن الأوبئة السابقة في خضمِّ هذا الحضور القوي والمستمر لـ فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، علّنا نصل إلى إجابات مختلفة عن كيفية ظهور الاوبئة ونهايتها.

في هذا الجزء الثاني من الكتابة عن الاوبئة السابقة سنتناول أوبئة العصر الحديث، مثل الكوليرا، والجدري، وسارس، والإنفلونزا الإسبانية، وغيرها من الأوبئة  الفتاكة.

الأوبئة السابقة في العصر الحديث | سرد تاريخي

وكنا قد تناولنا في المقالة السابقة، الجزء الأول من حديثنا عن الاوبئة السابقة عبر التاريخ وأشدها فتكاً، مثل الطاعون الأسود وكذلك طاعون جستنيان، وطاعون عمواس بمنطقة الشام.

ونتابع الآن حديثنا عن الاوبئة في العصر الحديث، وكمِّ الإصابات والوفيات التي حصدتها…

1- الجدري (خلال القرنين 15 – 17 م)

عندما وصل الأوروبيون لأول مرة إلى القارتين الأميركيتين عام 1492م، جلبوا معهم عدداً من الأمراض الجديدة، وكان أبرزها: مرض الجدري، وهو مرض معدٍ وخطير، قتل نحو 30% من المصابين بالمرض.

وخلال هذه الفترة، أودى الجدري بحياة قرابة 20 مليون شخص، أي نحو 90% من السكان في قارة أميركا آنذاك، وربما ساعد هذا الوباء الأوروبيين على استعمار المناطق التي تم إخلاؤها، وتغيير تاريخ القارتين.

2- الكوليرا (1817 م – 1823 م)

ضرب وباء الكوليرا العالم عدة مرات منذ القرن التاسع عشر بداية من دلتا نهر الغانج بالهند، وحصد أرواح الملايين حول العالم .أُنتج لقاح الكوليرا عام 1885 ولكنه لم يقضِ على المرض بشكل نهائي واستمر الكوليرا في الظهور وحصد الأرواح في بلدان متفرقة.

وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن موجة التفشي السابعة للمرض التي بدأت عام 1961 في جنوب آسيا، لا تزال مستمرة حتى الآن. وتشير البيانات إلى وفاة نحو 3 آلاف طفل في اليمن بسبب الكوليرا منذ عام 2016.

وطبقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية يُصيب وباء الكوليرا سنوياً 1.3 مليون إلى 4 ملايين شخص، ويتسبب بوفاة 21 ألفاً إلى 143 ألف نسمة.

وينتشر الكوليرا أكثر في البلدان التي يعاني سكانها من سوء التغذية، أو الأماكن الفقيرة التي تعاني من تلوث الأغذية والمياه، ويمكن مواجهته بتحسين الظروف المعيشية والصحية لهم.

3- الإنفلونزا الإسبانية (1918 م – 1919 م)

تفشت الإنفلونزا الإسبانية المعروفة باسم “وباء الإنفلونزا” في العام 1918م، وأصابت نحو 500 مليون شخص، وتسببت في قتل قرابة 50 مليون إنسان على مستوى العالم.

خلال فترة تفشي المرض، كانت الحرب العالمية الأولى على مشارف النهاية، ولم يكن لدى السلطات المعنية بالصحة العامة وسائل كافية للتعامل مع الأوبئة الفيروسية، مما أسهم في مضاعفة تأثيرها على المجتمعات.

الانفلونزا الاسبانية

وفي السنوات التالية، أدت الأبحاث إلى فهم كيفية انتشار الوباء وطرق الوقاية منه، مما ساعد على تقليل تفشي فيروسات مشابهة لها فيما بعد.

4- انفلونزا الخنازير (2009 م – 2010)

ظهر هذا الوباء لأول مرة في المكسيك في مارس/ آذار 2009 لدى أشخاص يعملون في مزارع لتربية الخنازير، بعد تطور طفرة جينية في الفيروس، مكنته من الانتقال من الخنازير إلى البشر.

وتقول بعض الدراسات: إن فيروس الإنفلونزا الإسبانية أصاب الخنازير أيضاً، ثم تحور بعد ذلك وانتقل مرة أخرى من الخنازير إلى الإنسان.

وفي يونيو/ حزيران 2009 أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الوباء أصبح جائحة، بعد تفشيه في العديد من الدول حول العالم وحصده أرواح الآلاف.

انفلونزا الخنازير

كما أن التحور السريع للفيروس، يجعله أكثر خطورة ويُصعب من اكتشاف لقاح مضاد له، وقدرت منظمة الصحة العالمية الوفيات الناتجة عن الإصابة بالفيروس بـ 18,500 شخص حول العالم.

بينما قالت دراسة أخرى إن الأعداد الحقيقية للوفيات تتراوح بين 151 ألفاً و575 ألفاً حيث واجه العالم جائحة إنفلونزا الخنازير بطرق الوقاية نفسها التي تطبق اليوم للوقاية من فيروس كورونا المستجد، مثل العزل والتباعد الاجتماعي وما إلى ذلك؛ ولاحقاً صُنع لقاح للمرض وأُعلن عن احتوائه.

5- إنفلونزا هونغ كونغ (1968 م – 1970 م)

هو فيروس انتشر بعد مرور 50 عاماً من تفشي الإنفلونزا الإسبانية، وتشير التقديرات إلى أن عدد الوفيات الناجمة عن هذا الفيروس بلغ نحو مليون شخص، 10% منهم في الولايات المتحدة الأميركية.

وكان هذا الوباء ثالث وباء للإنفلونزا يحدث في القرن الـ 20 بعد الإنفلونزا الإسبانية والإنفلونزا الآسيوية. ويُعتقد أن الفيروس المسؤول عن الإنفلونزا الآسيوية تطور وعاد إلى الظهور بعد 10 سنوات.

ورغم أن فيروس إنفلونزا هونغ كونغ لم يكن قاتلا مثل الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، فإنه كان معديا بشكل كبير، حيث أصيب 500 ألف شخص في غضون أسبوعين من الإبلاغ عن أول حالة في هونغ كونغ.

إنفلونزا هونغ كونغ

6- فيروس ايبولا (2014 م – 2016 م)

ظهر فيروس إيبولا أول مرة عام 1976 وتفشى في السودان، وفي جمهورية الكونغو، في قرية تقع على مقربة من نهر إيبولا الذي اكتسب المرض اسمه منها.

وتم الترجيح بأن الخفاش آكل الثمار هو مصدر الفيروس، غير أن بعض أنواع القردة مثل الغوريلا والشمبانزي هو ناقل الفيروس الأساسي للإنسان. ويتسم الفيروس بشدة فتكه وارتفاع معدل الوفيات لدى المصابين به، إذ تصل إلى نحو 50%.

وفي العام 2014 تفشى وباء ايبولا من جديد في غينيا وانتقل منها إلى عدة دول إفريقية أخرى، ووصل حتى الولايات المتحدة، وحصد الفيروس أرواح أكثر من 11 ألف شخص وأصاب حوالي 27 ألف شخص في إفريقيا.

ولا يوجد حتى الآن لقاح أو علاج مُرخص به لفيروس إيبولا، ولكن يُحرص على توفير الرعاية الطبية للمصابين، وتقديم أدوية تعزز كفاءة الجهاز المناعي.

7- المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة ( 2002 م – 2003 م)

إن المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة، تعدّ مرضاً يسببه أحد فيروسات كورونا السبعة التي تصيب البشر، ويشبه تركيبها الوراثي تركيب فيروس كورونا الجديد بنسبة 90% تقريباً.

وفي العام 2003، أصبح المرض المتفشي الذي نشأ في مقاطعة غوانغدونغ الصينية وباءً عالمياً انتشر سريعاً إلى 26 دولة، وأصاب أكثر من 8000 شخص، وقتل حوالي 774 منهم.

مع ذلك، كانت نتائج تفشي المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة محدودة إلى حد كبير، بسبب الاستجابة المكثفة لإجراءات الوقاية العامة، بما في ذلك عزل المناطق المصابة والأفراد المصابين.

المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة

ماذا تعلمنا من الأوبئة السابقة عبر التاريخ ؟

  • أدّت بعض الأوبئة المَحَلّية إلى نتائج اجتماعية وسياسية كاسِحة، أدى بعضها إلى القضاء على السكان الأصليين في أميركا الجنوبية والوسطى والشمالية وأستراليا، واستعمار الأوروبيين للعالَم.
  • أدت الأوبئة والجوائح العالمية في الماضي إلى القضاء على ملايين من البشر، لاسيما قبل اكتشاف اللقاحات والمضادات الحيوية.
  • تسارع انتشار الجائحات العالمية مع تطور المجتمعات، فبعد أن كانت الأوبئة تنتشر خلال أشهر وسنوات، تسارع انتشارها في القرن العشرين إلى أشهر وأسابيع.
  • كانت البكتريا والجراثيم (مثل الطاعون والكوليرا والتيفوئيد) سبب الجائحات في القديم، ولكن ازداد وجود الفيروسات في الأوبئة الحديثة، بشكل خاص بعد اكتشاف المضادات الحيوية.
  • نجحت اللقاحات في القضاء شبه التام على أوبئة وجائحات كانت فتاكة في الماضي، مثل الجدري وشلل الأطفال والانفلونزا، وساعدت المضادات الحيوية على وقف الجوائح الجرثومية.
  • ازدادت خبرة العلماء والأطباء في كشف التركيب البيولوجي للبكتريا والفيروسات، وفي سرعة إنتاج اللقاحات والأدوية المضادة.
  • تعلَّمنا من جائحة فيروس كورونا الجديد، أهمية النظافة الشخصية، وضرورة التباعد الاجتماعي، والحَجر المنزلي، والاهتمام بالغذاء الصحي.

تحرير: كزدورة©

المصدر: الجزيرة + صحتك + TRT بالعربي

إذا أعجبك موضوعنا شاركه مع أصدقائك الآن!

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

دعنا نتواصل!

تواصل مع كزدورة دوت كوم

10 + 14 =